الإثنين 23 ديسمبر 2024

رحلة الآثام بقلم منال سالم

انت في الصفحة 2 من 80 صفحات

موقع أيام نيوز

 


حينما انضم إليه جالسا بجواره اعتلى زاوية فمه ابتسامة صغيرة وهو يستطرد
أنا متخيلتش إنك هتحضر المؤتمر النهاردة بعد سهراية إمبارح.
ضحك مهاب عاليا قبل أن يتكلم من بين ضحكاته الرنانة
وأفوت التكريم تعرف عني كده
انتظر حينا إلى أن خبت
ضحكته وأخبره بشيء من الحقد
لأ طبعا مهاب الجندي دايما موجود تحت الأضواء.

بزهو يليق به قال
بالظبط.
شكل ممدوح بإصبعه دوائرا متتالية على سطح الطاولة وهو يضيف
طول عمرك محظوظ سواء في العلم أو في الحب.
رمقه مهاب بهذه النظرة المتفاخرة قبل أن يعلق بثقة
الطب مافيهوش حظ في إنك نابغة وفاهم بتعمل إيه أو لأ.
هز رأسه متفهما ليرد بعدها مبتسما ابتسامة باردة
مظبوط ونابغة مع عيلة ليها وزنها يعملوا أسطورة.
برافو .. وصف يليق بيا.
تجاوز عن لمحة الغرور الظاهرة في صوته وأراح ظهره للخلف سائلا
قولي مسافر إمتى
أجاب رفيقه بعد أن فرقع بإصبعيه ليستدعي أحد الندلاء
طيارتي بالليل.
أومأ ممدوح برأسه مرددا
كويس.
أعطى مهاب للنادل أوامره ثم وجه سؤاله للجالس بجواره
هتحصلني
مط فمه دون أن ينطق بشيء فتساءل
سأله بإلحاح طفيف
لسه بتفكر ولا إيه احنا خلاص اتكلمنا في الموضوع ده.
علق مبديا أسبابه
إنت عارف الظروف عندي ماتسمحش بتكاليف وأعباء جديد يدوب أرجع القاهرة وأركز هناك.
مد مهاب يده ليربت على جانب ذراعه وأكد له بلمحة من الغرور
ماتقلقش طول ما أنا موجود.
ما كان من رفيقه إلا أن ابتسم بفتور فشدد مرة ثانية عليه
بتكلم بجد يا ممدوح أنا عاوزك معايا...
تطلع إليه بحاجبين معقودين فتابع مهاب كلامه إليه واضعا هذه البسمة الواثقة على محياه
وهظبطك في منصب محترم ينقلك في حتة تانية خالص.
فكر ممدوح مليا فيما قاله وعلق ساخرا
طبعا واسطة عيلة الجندي تفتح أي باب مقفول سواء برا أو جوا.
ضحك مهاب على ما اعتبرها طرفة وقال
ما هي دي المصالح العليا.
بالنسبة لها مر الوقت بطيئا محملا بالمشاق والتعب فما إن تنتهي من إنجاز شيء حتى تنتقل لآخر وهي بالكاد تحاول البحث عن قليل من الراحة وسط كم المهام التي ألقيت فوق كتفيها. ارتمت فردوس على الأريكة الملاصقة لفراشها وهي تدعك بكفيها ركبتيها المتألمتين تأملت الشقوق التي انتشرت بباطن كفيها وهي تفكر في وضع قدرا من مادة الفازلين الطبية لتحصل على ملمس ناعم يغطي على خشونة جلدها حولت نظرها نحو والدتها التي تساءلت في صوت شبه قلق وعيناها تنظران بإمعان للطريق من نافذة الشباك المواربة
هي الساعة يجيلها كام دلوقتي
داخلة على تلاتة.
ابتعدت عقيلة عن النافذة وضړبت كفها بالآخر قبل أن تضعهما أعلى صدرها لتردد في انزعاج
كده أختك اتأخرت أنا قولتلها ماتروحش الشغل النهاردة بردك هي ركبت دماغها ونزلت والجماعة قالوا هايجوا بعد المغرب.
راحت فردوس تدلك كفها بيدها وهي تخبرها
ما إنتي عارفها يامه اللي بتصمم عليه بتعمله.
زمت شفتيها مغمغمة في يأس
طول عمرها عنادية.
سمعت كلتاهما صوت المفتاح وهو يدور في قفل الباب أعقبه بلحظات غلقه لتردد بعدها فردوس في حماس وهي تنهض من موضع جلوسها
الحمدلله أهي جت.
سرعان ما انتقلت نحو الخارج لتخاطب شقيقتها في تلهف
بعد زفير مهموم عقبت في نوع من العتاب
مافيش سلام عليكم الأول.
ردت عليها بنفس اللهجة المتوهجة حماسا
وعليكم السلام مافيش وقت عاوزين نلحق.
رمقتها بنظرة حادة قبل أن تقول ببرود غريب
الدنيا مش هتطير.
اندهشت فردوس من حالة الجفاء المسيطرة عليها وهتفت تخبرها
إنتي مش واخدة بالك إنك جاية متأخر ويدوب عقبال ما تجهزي وآ...
قاطعها قائلة بما صدمها
وأنا مش عاوزة أقابل حد.
شهقت مرددة بعينين ذاهلتين
إيه الكلام ده
أجابتها مؤكدة بثبات عجيب
زي ما سمعتي أنا أصلا مش موافقة على الخطوبة دي.
خرجت والدتها لتلقاها عند عتبة الغرفة وهتفت في استهجان أشد ويدها تلطم على صدرها
يادي الكسوف! بعد ما إدينا للناس كلمة!!
بأسلوب يشوبه العنجهية تكلمت
إنتي اللي اتفقتي معاهم مش أنا يامه...
وبعدين ده شفيق النقاش مش حد من الأكابر يعني.
صاحت بها عقيلة بصوت حانق ووجهها قد اشټعل ڠضبا
نقاش ميكانيكي إنتي عاوزة
تصغري أمك قصادهم
بنفس الطريقة المتعجرفة ردت
أنا من الأول قولت مش موافقة ومحدش راضي يسمعني.
اغتاظت والدتها من برودها المستفز فتقدمت ناحيتها لتلكزها في كتفها وهي تنهرها
ما تعيشي عيشة أهلك وكفاية أنعرة كدابة!
تأوهت تهاني من الألم ونظرت إلى أمها بضيق قبل أن تهدر منفعلة
هو إيه الحلو في إني أتجوز شفيق النقاش
ظلت ملامح والدتها تسود وهي تزيد من هجومها المشبع بعبارات الإهانة
إنتي مش شايفة بنتك دكتورة تحاليل أد الدنيا يعني أقل حد أخده لازم يكون نفس مستوايا التعليمي مش واحد جاهل ريحته جاز وتنر.
أتى رد فردوس ساذجا إلى حد ما
ما هو بيستحمى.
اشتاطت شقيقتها من سطحية تفكيرها وردت بصلابة
الله يكرمك بلاش إنتي تتكلمي.
خاطبتها في دهشة
هو أنا قولت حاجة غلط ما هو راجل ملو هدومه وكل بنات الحتة تتمناه.
لم تعلق عقيلة بشيء على حوارهما فواصلت تهاني الصياح الحاد ملوحة بذراعها في الهواء
إنتو عاوزيني أقضي اللي جاي من حياتي أكح تراب!!!
أمسكت بها والدتها من ذراعها تضغط عليه بقبضتها وهي تسألها في نبرة لائمة
أختك معاها حق ماله شفيق النقاش مش بيشتغل وبيكسب بالحلال
نفضت يدها عنها وهي تجيبها
أيوه بس مش من مقامي ولا ينفعني من الأساس أنا مش زي فردوس.
قالت جملتها الأخيرة ونظراتها مسلطة على شقيقتها التي غرق وجهها في الحزن ابتلعت غصة مريرة في حلقها وسألتها بعتاب
قصدك إني قليلة يا تهاني إكمني مكملتش تعليم وماليش في العلام زيك ومخي على أده.
وكأنها لم توجه إليها إهانة متعمدة تجاوزت عنها تهاني وتكلمت بنبرة معاندة للغاية
كل واحد عارف مصلحته إزاي وأنا مش هضيع مستقبلي عشان نقاش متخلف!!
إساءة تلو أخرى جعلت صدور الجميع تحتقن وتفيض ضيقا مرة أخرى أمسكت عقيلة برسغ ابنتها جذبتها منه بقسۏة وأخبرتها بلهجة حازمة
بصي يا بت بطني إنتي مش هاتيجي على آخر الزمن وتطلعيني قليلة قصاد الناس إنتي هتقابليهم والجزمة فوق رقبتك سامعة
وإن كنتي فاكرة إنك كبرتي على التربية تبقي غلطانة! أنا لسه بصحتي وأقدر أعدل المعوج فيكي يا تهاني.
ثم دفعتها للأمام هاتفة في حدة
ويالا انجزي في يومك ده.
تجمدت تهاني في مكانها تناظر أمها بعينين مشتعلتين وبشرتها كذلك تشع وهجا غاضبا أسرعت إليها فردوس لتضمها من كتفيها وسحبتها نحو الداخل وهي تحاول تهوين ما لاقته من تعنيف مختلط بالإهانة
تعالي ياختي متزعليش.
كالقطار الجامح الخارج عن قضبانه اندفعت تهاني نحو غرفتها ثم نزعت بلوزتها عنها وكورتها في عصبية لتقوم بإلقائها أرضا وهي تبرطم بعبارات ساخطة ناقمة تعبر عن حنقها. تبعتها فردوس وانحنت تلم ما بعثرته من ثياب ثم وضعتهم على الأريكة لتعاود التحديق في وجه شقيقتها وهي تستطرد سائلة إياها بانفعال
شايفة اللي أمك بتعمله معايا
زمت فردوس شفتيها وغمغمت في يأس
يا ريت كان عندي نص حظك ولا حتى يتقدملي أي حد كنت هوافق على طول.
انتشلت تهاني قميصها المنزلي من على المشجب لترتديه وردت عليها بغطرسة
ده الفرق اللي بيني وبينك إنتي باصة دايما تحت رجلك وملهوفة على أي حد والسلام إن شاء الله يكون جربوع!!
بالكاد ابتلعت غصة مريرة اجتاحت حلقها وردت بكبرياء جريح
مش أحسن ما أبص لفوق ويطلع في الآخر نقبي على شونة.
التوى ثغرها ببسمة تهكمية وأضافت وهي تمشط شعرها في عجالة
هيفضل تفكيرك على أده يا فردوس عمرك ما هتفهميني.
اتجهت شقيقتها نحو الدولاب فتحت ضلفته وتأملت المحدود من الأثواب المعلقة فيه انتقت اثنين كانا إلى حد ما مقبولان الشكل ثم سألتها في اهتمام مناقض لما افترض أن تشعر به من ضيق
ها مقولتيش هتلبسي أنهو فستان
نظرت لها تهاني في ذهول مستنكر فارغة
لفاهها قليلا قبل أن تجيبها بغير مبالاة
مش فارقة طالما هو مرفوض من الأساس!
في الموعد المتفق عليه بعد آذان المغرب بوقت قصير كان الضيوف يحتلون الأرائك في الصالة المتواضعة بالمنزل وأمامهم أكواب الشربات وأطباق الحلوى منزلية الصنع. بدت عقيلة في أوج ابتهاجها وهي تطرح طرف حجابها الأبيض الجديد على كتفها التفتت ناظرة إلى والدة العريس بنظرات مشرقة متفائلة رسمت هذه الابتسامة المسرورة على محياها واستطردت متكلمة
والله البيت نور بوجودكم فيه النهاردة.
بادر شفيق بالرد مبتسما ابتسامة عريضة
تسلمي يا ست الناس ده احنا اللي زدنا شرفنا بقعدتنا معاكو.
دعت له في لطافة
كلك ذوقك يا ابني.
تساءلت والدته في نوع من الحيرة
أومال فين أبلة الدكتورة
أطلقت عقيلة ضحكة صغيرة قبل أن تتبعها موضحة
بتحط أحمر وأخضر ما إنتو عارفين البنات تحب تبقى على سنجة عشرة.
شاركها الضحك وعلق في انتشاء مختلط بالحماس
هي تستاهل تتدلع.
ردت عليه عقيلة برضا معكوس على ملامحها
يخليك يا ابني ابن أصول طول عمرك ولسانك زي الشهد.
تأهب في جلسته وأكمل بنفس النهج المتحمس
وأنا مش هحوش عنها حاجة كافة طلباتها مجابة إن شاء الله.
استحسنت ما يبديه من جدية لإثبات حسن نواياه فعقبت
أد القول يا شفيق عن إذنكم بس لحظة إنتو مش غرب...
ثم استدارت محدقة في ابنتها قائلة بابتسامة شبه متكلفة
تعالي يا دوسة معايا.
نهضت في التو من موضع جلوسها وتبعت والدتها مرددة في انصياع واضح
حاضر يامه.
تحركت فردوس خلفها إلى وقفت بجوار والدتها بعيدا عن الضيوف قليلا فأخبرتها الأخيرة بتعابير مزعوجة وقد حل الضيق كذلك على نظراتها
استعجلي أختك مايصحش اللي هي عملاه ده.
هزت رأسها متمتمة وهي تسرع الخطى
طيب.
ظلت عقيلة باقية في مكانها للحظة إلى أن اختفت عن أنظارها فعاودت أدراجها للصالة وواصلت الحديث الودود مع ضيوفها ريثما تنضم إليهم ابنتها المتدللة.
هرولت فردوس لداخل الحجرة لتجد شقيقتها تجلس باسترخاء على السرير وكأن شأن من بالخارج لا يعنيها كليا تأملتها مدهوشة لهنيهة لتقوم بعدها بالاقتراب منها وتهتف في إنكار عجيب
الناس أعدين برا مستنينك وإنتي مريحة كده!!
رمقتها بنظرة فاترة باردة لا تلقي بالا لصوتها القلق بقيت على استرخائها الهادئ وفردوس لا تزال تصيح بها في توتر متصاعد
يا تهاني أنا بكلمك بقولك العريس برا هو وأهله...
سألتها بإيماءة من رأسها
وإيه يعني
أجابت على سؤالها بآخر مغلف بالدهشة
مش هتطلعي تقابليهم
وسدت ذراعها خلف رأسها المستريحة على الوسادة وجاوبتها بعد تنهيدة متململة 
أنا قولتلكم رأيي من بدري أنا مش موافقة على العك ده.
لطمت فردوس على صدرها وشهقت صائحة
أمك هتروح فيها لو ماطلعتيش دلوقتي.
استلقت تهاني على جانبها وقالت بعدم اكتراث مستفز
وأنا مش هعمل حاجة ڠصب عني.
خاطبتها بلين الكلام علها تقتنع وتتخلى عن عنادها الأحمق
محدش بيغصبك على حاجة بس الناس في بيتنا ودي وحشة في حقنا هنتفضح.
جاء ردها على نفس القدر من عدم المبالاة
مش فارق معايا.
كشحوب المۏتى بدا وجه فردوس هكذا بعدما أدلت بدلوها في هذه المسألة الحرجة لذا دون تفكير انحنت عليها ترجوها بنبرة متوسلة للغاية
يا تهاني الله يرضى عليكي اطلعي اقعدي شوية لحد ما يمشوا وبعد كده يحلها ألف حلال.
ضجرت تهاني من إلحاحها السقيم وصاحت بصبر نافذ وهي ترفع رأسها عن الوسادة
أوف ماشي بس ماتزعلوش من اللي هيحصل بعد كده!
بعد عشر دقائق من التلكؤ والمماطلة خرجت تهاني أخيرا من الغرفة وهي بالكاد تبتسم لم تضع في
 

 

انت في الصفحة 2 من 80 صفحات